نشأة الكون وتكوّن العناصر
عندما ننظر اليوم إلى الجبال والصخور والمعادن وما يختبئ في أعماق الأرض، قد يبدو لنا أنها كانت موجودة منذ الأزل. لكن الحقيقة العلمية تقول إن للكون بداية محددة، وإن المادة التي نراها حولنا – بما في ذلك نحن البشر – مرت بمراحل طويلة ومعقدة حتى وصلت إلى شكلها الحالي.
١. الانفجار العظيم والتخليق النووي البدائي
قبل نحو 13.8 مليار سنة، بدأ الكون من حالة شديدة الكثافة والحرارة عبر حدث يُعرف بـ الانفجار العظيم.
في الثواني والدقائق الأولى، لم تكن هناك ذرات مستقرة، بل بلازما كثيفة من الجسيمات الأولية.
وخلال أول ثلاث دقائق من عمر الكون حدث ما يُسمّى بـ التخليق النووي البدائي (Big Bang Nucleosynthesis)، حيث تكوّنت العناصر الأخف:
- الهيدروجين (~75%)
- الهيليوم (~25%)
- كميات ضئيلة جدًا من الليثيوم-7
أما البريليوم-7 المتكوّن حينها فكان غير مستقر، وتحلل إلى ليـثيوم-7. ولم يتكوّن البريليوم-9 المستقر بكميات ملحوظة.
(Welt der Physik, 2023)
٢. ولادة النجوم والتخليق النووي النجمي
بعد مرور مئات ملايين السنين، تكوّنت أولى النجوم نتيجة انهيار سحب الغاز البدائي تحت تأثير الجاذبية.
في مراكز هذه النجوم، حيث الضغط والحرارة هائلان، بدأت عمليات الاندماج النووي.
اندمج الهيدروجين والهيليوم تدريجيًا لتكوين عناصر أثقل مثل الكربون، النيتروجين، والأكسجين، وصولًا إلى الحديد (Fe-56) الذي يُعدّ أكثر النوى استقرارًا من حيث الطاقة.
(DK, 2023)
لكن مسيرة العناصر لم تتوقف عند الحديد، إذ تتطلّب العناصر الأثقل طاقة إضافية للتكوّن، لذلك نشأت عبر مسارات مختلفة:
- التقاط النيوترونات البطيء (s-process): يحدث في داخل النجوم العملاقة الحمراء.
- التقاط النيوترونات السريع (r-process): يحدث خلال المستعرات العظمى (Supernovae) وكذلك في اندماجات النجوم النيوترونية، حيث تتوافر كميات هائلة من النيوترونات والطاقة اللازمة لتكوين عناصر ثقيلة مثل الذهب واليورانيوم.
(Welt der Physik, 2023)
٣. “نحن مصنوعون من غبار النجوم”
الجملة الشهيرة “نحن مصنوعون من غبار النجوم” ليست مجازًا، بل حقيقة علمية مثبتة.
جميع الذرات التي تُكوّن أجسامنا – من الكربون في خلايانا، والأكسجين الذي نتنفسه، والحديد في دمنا – نشأت داخل النجوم أو في انفجاراتها العنيفة.
بذلك نحن نحمل في أجسادنا تاريخ الكون نفسه.
(DK, 2023; Welt der Physik, 2023)
٤. الفيزياء الفلكية النووية
إن فهم كيفية تكوّن العناصر لا يقتصر على وصف النجوم فقط، بل هو مجال كامل يُعرف بـ الفيزياء الفلكية النووية.
هذا التخصص يحاول صياغة العمليات بشكل كمي وفق قوانين الفيزياء، ويتطلب معرفة دقيقة بـ:
- بنية النوى الذرية (الفيزياء النووية).
- ديناميكا الموائع داخل النجوم (لنقل الطاقة بالحمل الحراري والإشعاع).
- فيزياء البلازما (لتفسير سلوك المادة في درجات الحرارة والكثافة العالية).
من خلال هذا التكامل، يتمكن العلماء من تفسير توزيع العناصر في الكون وفهم تطور النجوم والكواكب والمجرات حتى يومنا هذا.
📚 المراجع: * Dorling Kindersley (DK): Rocks & Minerals – The Definitive Visual Guide, München 2023. * Welt der Physik: Entstehung der Elemente. Hrsg. von der Deutschen Physikalischen Gesellschaft (DPG), gefördert vom BMBF. www.weltderphysik.de

European Space Agency
ESA – Planck’s view of the cosmic microwave background